" />
الحكاية نيوز alhekya.com
جميع الحقوق محفوظة الحكاية AlHekya

حكم نهائي ينصف ابنة «فلاح»: حصلت على جيد جدا واتعين مكانها ابن مسؤول بـ«مقبول»

329

إن التوجيه التاريخي الذي أصدره الرئيس عبدالفتاح السيسي، لوزير العدل، عن تعيين المرأة في مجلس الدولة والنيابة العامة، من أكثر القرارات التي لاقت تأثيرا كبيرا في المجتمع على مدار حياة المرأة المصرية خلال قرن من الزمان، وذلك لأن مبدأ المساواة بين المرأة والرجل وحقها في تولي جميع الوظائف العامة الإدارية والسياسية والقضائية بات من الحقوق الدستورية، إلا أنه يبقى دوما حماية القضاء المصري لكل هذه الحقوق دون نقصان، هو الحكم العدل، وعلى قمتها حقها في التعيين في الوظائف العامة، وهو ما توضحه السطور التالية لفتاة بمحافظة كفر الشيخ.

ومن درر الأحكام الصادرة عن القضاء المصري لصالح المرأة، الحكم النهائي البات – غير منشور – الذي أصدره المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة، إبان رئاسته محكمة القضاء الإداري بكفر الشيخ، عقب صدور دستور 2014، حيث قضت المحكمة بإلغاء حكم المحكمة الإدارية بطنطا برفض دعوى إحدى الفتيات والقضاء مجددا بإلغاء قرار محافظ كفر الشيخ، فيما تضمنه من تخطي الفتاة ابنة رجل يعمل فلاحا، في شغل وظيفة بإحدى الوحدات التابعة للمحافظة، لتفوقها في التقدير العام «جيد جدا» في شهادة بكالوريوس التجارة، على من تم تعيينه بدلا منها وهو شاب ابن أحد المسؤولين حاصل على تقدير «مقبول»، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها إلزام المحافظ بتعيينها في تلك الوظيفة.

بداية القصة

بدأت القصة في محافظة كفر الشيخ، حينما لجأت إحدى الفتيات المتفوقات للمحكمة الإدارية بطنطا والتي كانت تختص بقضايا طنطا وكفر الشيخ في ذلك الوقت، مطالبة بإلغاء قرار محافظ كفر الشيخ، بعد صدور دستور 2014، بتعيين شاب ابن مسؤول في إحدى الوظائف بالوحدات التابعة للمحافظة، حاصل على تقدير «مقبول»، بينما هي تتفوق عليه في التقدير العام «جيد جدا»، إلا أن المحكمة الإدارية بطنطا رفضت دعواها على سند من أن الإدارة تتمتع بسلطة تقديرية في التعيين بالوظائف، مما أصابها بالحزن، لكن الأمل لديها كان كبيرا في الطعن على هذا الحكم.

الفتاة لم تستسلم

ولم تيأس الفتاة، وأقامت طعنا على هذا الحكم أمام محكمة القضاء الإداري بكفر الشيخ بصفتها محكمة طعن، وطلبت من القاضي الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي، نائب رئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة فب ذلك الوقت، أن يسمعها فأنهمرت في البكاء، وهدأ القاضي من روعها حتى تتحدث.

فقالت الفتاة، إنها كانت تواصل الليل بالنهار لتتفوق في دراستها وتثبت شخصيتها جنبا إلى جنب مع الرجل، وتساعد نفسها وأسرتها في دخلها المحدود، خاصة وأن والدها فلاح رباها على العلم والأخلاق لتخدم وطنها.

فقال لها القاضي بصوت هادئ الحكم أخر الجلسة، ثم أصدر قراره بإلغاء الحكم المطعون فيه الصادر من المحكمة الإدارية بطنطا، والقضاء مجددا بأحقية الطاعنة في الوظيفة لتفوقها على ابن المسئول.

استقبلت الفتاة الحكم بسعادة بالغة، واحتضنت والدتها ووالدها الفلاح وقبّلت يديهما في موقف مؤثر، واستبدلت دموع الحزن بدموع الفرحة بعد قرار القاضي العادل.

وقالت المحكمة إن المشرع الدستوري جعل الوظائف العامة وفقا للمادة 14 من الدستور، حق للمواطنين على أساس الكفاءة ودون محاباة أو وساطة، وتكليف للقائمين بها لخدمة الشعب، وكفل كذلك حقوقهم وحمايتهم وقيامهم بأداء واجباتهم في رعاية مصالح الشعب، وألزم الدولة طبقا للمادة 11 منه، أن تكفل المساواة بين المرأة والرجل في جميع الحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وضمان تمثيلها تمثيلا مناسبا في المجالس النيابية، وكفالة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة، والتعيين في الجهات والهيئات القضائية دون تمييز ضدها، ومبدأ المساواة الدستوري هو نص قائم بالتطبيق بذاته دون تدخل من المشرع.

وأضافت المحكمة، أنه إذا كان المشرع الدستوري قد ألزم الدولة باتخاذ التدابير الكفيلة لضمان تمثيل المرأة تمثيلا مناسبا في المجالس النيابية، فإن الأولى واﻷجدر أن تقوم مؤسسات الدولة بكفالة حقها في تولي الوظائف العامة دون تمييز ضدها يعود بها إلى عصور التخلف والجهل، ومن ثم فإن رجل الإدارة الذي يسلب المرأة حقها في المساواة هو سجين للكراهية وضيق الأفق، وبهذه المثابة فإن التمييز الايجابي للرجال على حساب المرأة في مجال الوظيفة العامة مخالفة صريحة لأحكام الدستور، فضلاً عن أن المساواة مبدأ إنساني تشاركي عالمي، فإذا جُردت الأمم من النساء العاملات والمربيات الفضليات فستنهزم هذه الأمم وتؤول إلى عصور الانكسار».

واختتمت المحكمة، أن محافظة كفر الشيخ أعلنت في الصحف القومية عن شغل عدة وظائف، وتقدمت ابنة الفلاح بأوراقها، إلا أنها فوجئت بقرار المحافظ بتعيين من هو أقل منها في التقدير العام، وأن معايير التعيين الموضوعية تكون طبقا للمؤهل الأعلى، وعند التساوي في المؤهل تكون الأولوية للأعلى في مرتبة الحصول على الشهادة الدراسية، فالأقدم تخرجا، فالأكبر سنا، وهي المتفوقة على من تم تعيينه في التقدير العام للدرجة الجامعية الحاصلة عليها بتقدير «جيد جدا»، بينما من تم تعيينه حاصل على «مقبول».

الحكم في صالح المرأة

وقد اعتبرت دوائر مهتمة بشئون قضايا المرأة، أن الحكم الذي أصدره المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجي لصالح الفتاة – ضمن سلسلة من الأحكام التي أصدرها لصالح المرأة – يعتبر من أول وأهم الأحكام القضائية التي صدرت عقب صدور دستور 2014 بعدة أسابيع في أول تطبيق للدستور حينها، ويضع اللبنات الأولى بفهم عميق لقواعد المساواة بين الرجل والمرأة ويؤمن برسالتها وتضحيتها ودورها الحقيقي في التغيير الإيجابي الذي تسعى له المجتمعات في سبيل رفعتها وانتصارها أمام كافة التحديات، وأن المعاني التي احتواها هذا الحكم جاءت متسقة مع مبدأ إنساني تتشارك فيه الأمم على قمتها مصر الحضارة.

- Advertisement -

اترك رد